التخطي إلى المحتوى
قرار مُبكي لقاضي مصري أعاد موظفة «كفيفة» لعملها بعد فصلها

وثيقة قضائية مبكية سجلتها عدسة الزمن بالفيديو كشفت عن تعرض أم مصرية موظفة فقيرة في عيد الأم لأقصى درجات الجحود من مدير الإدارة الطبية وكيل الوزارة الذي اتخذ قراراً أصابها بالإحباط بفصلها من الخدمة على سن 48 سنة بسبب فقدانها البصر لكثرة الأعمال الموكلة إليها.

وجاء قرار فصلها بدون أي حقوق مالية أو وظيفية، فما كان من الأم المصرية سوى اللجوء للقضاء المصري طالبةً العدل والإنصاف بعد أن فقدت وظيفتها بسبب فقدانها البصر.

دخلت السيدة إلى قاعة المحكمة تستند على ذراع ابنها أمام القاضي المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة رئيس محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الذي نظر القضية في ذلك الوقت.

بدأت السيدة والدموع تنهمر منها وسمع لها القاضي طويلاً ورغم ازدحام القاعة بالمتقاضين منحها كامل الوقت لتقص حكايتها وأنها أصيبت بفقدان البصر على سن 48 سنة بسبب كثرة العمل المكلفة به وأن مدير الإدارة الطبية وكيل الوزارة اتخذ قراراً ظالما بإنهاء خدمتها جعلها في الشارع وليس لها مورد رزق.

وأعطى القاضي الجهة الإدارية أسبوعاً واحداً  فقط للرد على القضية، فجاء رد المدير الإداري أن الموظفة أصبحت عالة على العمل بعد فقدانها البصر وأنها لا تستطيع القيام بأعمالها الإدارية، فأصدر القاضي الجليل حكمه آخر الجلسة، وسطر فصلاً جديداً من معاني الإنسانية وجاء حكمه العادل.

وتضمن الحكم القضائي متضمنا 3 أجزاء: الأول إلغاء قرار فصلها من العمل على سن 48، والثاني إلزام الإدارة بصرف مرتبها كاملا من وقت فصلها حتى تاريخ صدور الحكم، والثالث منحها القاضي إجازة استثنائية  في بيتها حتى بلوغها سن الستين بأجر كامل شاملا الحوافز والبدلات والمكافآت كما لو كانت قائمة بالعمل فعلاً ومشاركةً فيه، وهو ما اعتبرته كثير من الدوائر المهتمة بشئون حقوق الأم من التراث القضائي الإنساني المصري على مستوى العالم العربي.

وعقب نطق القاضي بالحكم بكت الموظفة الفقيرة وأبكت كل من في القاعة، وقالت للقاض: “ولا مليون دكتور نفساني كان يقدر يطلع اللي جوايا زى حكمك العادل، ربنا يكرمك زى ما فرحتني بالعدالة يا قاضى الغلابة  والمظلومين، أنا كرهت حياتي وعنيت وأسيت بسبب جرة قلم ظالمة وفصلوني بدون حقوق بسبب عنيا».

وجاءت حيثيات حكم القاضي المصري بأحرف من نور ولأول مرة في تاريخ القضاء العربي ينطق القاضي بالدوافع الإنسانية؛ حيث قال القاضي في حيثيات الحكم: “إن الدوافع الإنسانية تتأبى أن تتدنى حقوق العامل المريض بمرض مزمن بعد ثبوت مرضه وزيادة حاجته إلى صنوف الرعاية عن تلك التي يتمتع بها قبل مرضه، والمرض قدر الله وحساب الموظف ينصرف فيما تمليه عليه إرادته”.
وأضاف القاضي الإنسان في حكمه “أن المشرع خص العاملين المصابين بأمراض مزمنة بعناية خاصة نظراً لما يحتاجونه من رعاية اجتماعية خلال فترة المرض الذي قد يستغرق نظراً لطبيعته أمداً طويلا، فوضع نظاماً خاصاً للإجازات المرضية التي يحصل عليها المريض بأمراض مزمنة يغاير في أسسه وقواعده نظام الإجازات العام، وطبقا لهذا النظام يمنح المريض بمرض مزمن حقاً وجوبياً في إجازة مرضية استثنائية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقرارا يمكنه من العودة إلي العمل أو يتبين عجزه عجزاً كاملاً، وفي هذه الحالة يظل العامل في إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش”
واختتم القاضي حكمه بقوله: “الثابت أن المدعية كانت تشغل وظيفة كاتبة بمديرية الصحة بالإسكندرية وأثناء عملها أصيبت بعجز جزئي مستديم ومرض مزمن من بين حالات الالتهابات الشبكية والارتشاحات والأنزفة الداخلية إذ قلت قوة الإبصار عن 6/36 بالعينين معاً، وثبت أن المدعية فقدت البصر بنسبة أقل من 6/36 بالعينين، ومن ثم يكون قرار الإدارة بإحالتها للمعاش على سن 48 سنة بسبب فقدان البصر قد تنكب وجه الحق ووقع مخالفاً للقانون يتعين القضاء بإلغائه ومنحها إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغها السن القانونية للمعاش بالأجر الكامل الشامل.