أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بيانًا رسميًا ردًا على ما أثير حول حديث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عن تفضيل بعض أنبياء الله على بعض، أكد خلاله أن اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها عمَّا سيقت له بغرض التشويه؛ افتراءٌ وتدليس ينافي الأمانة وقواعد العلم.
وتنشر “بوابة الشرقية نبوز” نص البيان فيما يلي:
▪️لا تفهم جملة من الكلام إلا بوصلها بما قبلها وما بعدها، لما فيه من ربط للكلام بغاية المتحدث منه، وبيان لمُجمله، ونفي للاحتمالات والظنون غير المرادة، وهذه قاعدة عامة في فهم النصوص العربية ذات النسيج اللغوي المتماسك، وإذا كان كلام الله المُعجِز -الذي لا يضاهيه في البلاغة كلامٌ- إذا اقتطع من سياقه لم يدل على مراد الحكيم الخبير منه، فإن احتياج ما هو دونه من الكلام لفهمِه في ضوء السياق أولى.
▪️معرفةُ سِياقِ كلامِ المتحدث في نصٍّ معين، وفي سياقات سابقةٍ من نُصوص أخرى، مُعبرةٍ عن فكره وعِلمه؛ تَمنعُ حَمْلَ بعض عباراته -المجتزأة من سياقها- على غير المُراد منها، ومعلومٌ أن اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها عما سِيقت له؛ افتراءٌ وتدليسٌ ينافي الأمانة وقواعد العلم.
▪️خلال كلمة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب – شيخ الأزهر، في احتفالية المولد النبوي الشريف 1446هـ، تحدث عن الأخلاقِ الكاملة لصاحب الرسالة ﷺ، والعلاقة بينها وبين خاتميّة رسالته وعالميّتها، وسِعَتها للعالَمين جميعًا: إنسًا وجِنًّا، كائنًا وجمادًا، زمانًا ومكانًا؛ بينما جاءت الرسالات السَّابقة محدودةً بأقوامٍ بعينِهم وفي زمانٍ مُعيَّن ومكانٍ محدَّد لا تتجاوزه لآخَر.
▪️وهذا بلا شك تقرير لِعظم شأن هذه الرسالة وصاحبها ﷺ؛ لا للخصائص المذكورة في ذاتها؛ بل للأدلة الواردة في هذا الشأن والحاكمة بالأفضلية، -وتلك منزلة أعلى في التفضيل- والمعنى أنه لا يُعتَمد على الخصائص بل على التفضيل الإلـٰهي، وهو المقصود من الاستثناء المُقتَطع من كلمة فضيلة الإمام، حين قال: «اللهمَّ إلا اتباعًا لما يَرِدُ من الشَّرع الكريمِ في هذا الشَّأن»، مشيرًا بهذا الاستثناء إلى ما ورد من الأدلة المعلومة للعامّة والخاصة، والتي منها، قوله سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 11]، وقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ». [أخرجه مسلم]، وعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِﷺ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». [أخرجه مسلم]
▪️بيد أن فضيلة الإمام الأكبر نوه إلى أن تفضيل الرسالات -التي نزلت على الأنبياء في أزمانهم- بعضها على بعض، والأنبياء بعضهم على بعض، لا ينبغي أن يكون محل خلاف وتنازع، أو مبني على رأي عارٍ عن دليل، بأن يُفتح باب المفاضلة فيه للعامّة؛ لما في ذلك من خطر كبير على المجتمعات واستقرارها وشواهد التاريخ تؤكد ذلك؛ بل الأصل فيه تفويض الأمر لله سبحانه وتعالى والتسليم والإيمان بما نزّله؛ عملًا بالأدلة الواردة في هذا الشأن، والمذكورة في كلمة فضيلة الإمام، والتي منها قول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253]، وقوله أيضًا: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض} [الإسراء: 55]، وقول سيدنا رسول الله ﷺ: «لَا تُخَيِّروني مِن بينِ الأنبياءِ»[أخرجه البخاري]، وفي لفظٍ آخَر: «لَا تُخَيِّرُوا بيْنَ الأنْبِياءِ» [متفق عليه]، وقوله ﷺ: «لَا تُخَيِّرُونِي علَى مُوسَى» [متفق عليه]، وقوله لما جاءه رجل من أصحابه، فقال: يا محمَّد! يا سَيِّدَنا وابنَ سَيِّدِنا، ويا خيرَنا وابن خيرِنا: «مَا أُحِبُّ أنْ تَرفَعوني فوقَ مَنزلتي الَّتي أنزلنيها اللهُ» [أخرجه أحمد في مسنده]، وهي منزلةُ النُّبُوّة والرِّسَالةِ.