التخطي إلى المحتوى
جدل حول “عذاب القبر”..عكاشة: مفيش حاجة بالشكل ده.. والأزهر يرد
أثارت تصريحات الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، بشأن عذاب القبر حالة من الجدل والغضب والاستياء عبر صفحات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حيث قال إن عذاب القبر غير موجود، مشبهًا الموت بنوم طويل يشعر به الإنسان كما يشعر خلال نومه الطبيعي.
وأضاف في تصريحات إعلامية: “الجماعة إلى بتقول لك عذاب (عذاب القبر) مفيش حاجة بالشكل ده أبدًا، يعني لكن في ناس عندهم رعب من الموت”، مشيرًا إلى أن الإنسان خلق على 5 أمزجة، منها القلق الخائف، العصبي، الإنسان المتشائم النكدي، وغيرهم، الأمر الذي أعاد الجدل مجددًا حول الرأي الشرعي في الاعتقاد به أو إنكاره.
الأزهر: الحياة البرزخية من السمعيات
من جانبه قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الإسلام لا يؤمن بما تنكره العقول، وذلك تكريمًا وإعلاء لدور العقل وشأنه، فهو مناط الأمر كله، وهو القدر المشترك بين الناس جميعا، موضحًا أن الإسلام جاء ليخاطب العقل الذي هو مناط التكليف، والعقل عصب في العقيدة الإسلامية بكل أبوابها (الإلهيات والنبوات والسمعيات)، وعصب في التشريع والأحكام وفي الآداب والفضائل والأخلاق، وهذه فطرة فطر الله الناس عليها، وفي ظل هذا فلا يمكن أن يكون ثلث الإيمان وهو السمعيات أو الإيمان باليوم الآخر وما فيه متعارض مع العقل؛ لأن صحيح النقل ورد به.
وأضاف شيخ الأزهر، أن المنكرين للقضايا الأخروية لها يتحججون بأن ذرات الجسد بعد الموت تصير ترابًا ولا يمكن أن تعود الروح إليه مرة أخرى، ويستبعدون أن يوجد الشيء بعد عدمه،{وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة}.
وبين أن أمر إنكار البعث موضوع قديم، وأنه يجب الإيمان الكامل بقضايا الآخرة؛ لأن التصديق بالله وبرسوله يستلزم التسليم بكل ما يخبر به الرسول ويبلغ به من وحي الله تعالى، فإذا آمنا بالنبي وصدقنا به، ثم سمعنا من النبي أن هناك ملائكة أو بعثا أو جنًا أو جنة أو نارًا.. فيجب الإيمان بما يقوله، والتصديق بما نسمعه منه، ومن أجل أن الإيمان بهذه الأمور متوقف على سماع كلام الأنبياء؛ سميت القضايا المتعلقة بهذه الأمور: «السمعيات».
وشدد شيخ الأزهر على وجوب الإيمان بالحياة في القبر وما يتعلق باليوم الآخر ومراحله، وأن هذه السمعيات إذا كانت تثبت بالدليل السمعي الذي هو الشرع أو النص أو النقل، فإنها تعارض العقل أو تتناقض مع أصول النظر العقلي ومناهجه؛ لأن العقل لا يجد أية صعوبة منطقية في أن يؤمن بحياة تكون بعد الموت، أو الاعتقاد في حساب ومحاكمة وجزاء وثواب وعقاب وجنة ونار، وكل ما نسمعه من الأنبياء في هذا المجال إنما يقع في دائرة الإمكان العقلي، وإذا كان العقل لا يستطيع أن يتوصل إليه مستقلا، فإنه لا يستطيع أيضا أن ينكره أو يعارضه، بل لا يستطيع المنكر للسمعيات أن يقدم دليلا عقليا واحدا على استحالتها أو عدم إمكانها ووقوعها؛ فالسمعيات أمور ممكنة يقبلها العقل ويصدق بوقوعها إذا أخبره بذلك معصوم يستحيل عليه الكذب.
وأوضح أن الحياة في القبر تسمى بالحياة البرزخية، وتتعلق بحياة القبر من السمعيات مسألتان اتفق عليهما المسلمون جميعا: الأولى: سؤال الملكين في القبر، والثانية: عذاب القبر ونعيمه، ودليل ذلك من القرآن الكريم: دليله قوله تعالى في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}، ومما يدل على عذاب القبر قوله ﷺ وقد مر بقبرين: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة…»، وعلى الإنسان أن يؤمن بكل هذه الأمور كما آمن بالله ورسله ويترك شأنها إلى الله وينشغل بعمله.
كبار العلماء: لا يجوز لمسلم إنكاره
وأكد الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء والمفتي السابق، أن عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه.
وقال جمعة، إن عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا عن طريق الوحي، والإيمان بالغيب هي أول صفة للمتقين جاءت في القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، حيث ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من السنة النبوية الشريفة التي أُمِرنا بالأخذ بها وتصديقها؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
ومن السنة: قال أبو هريرة رضي الله عنه: “يُضَيَّق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك”، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أتدرون ما المعيشة الضنك»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «عذاب الكافر في القبر، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة أرؤس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة، ويحشر في قبره إلى موقفه أعمى».
وأضاف: أخبرنا سبحانه أن كل ما يصدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو وحيٌ يجب الإيمان به؛ فقال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، وورد في القرآن الكريم ما يدل على عذاب القبر في قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾، فعرضهم على النار غدوًّا وعشيًّا هو ما يلقونه في البرزخ من عذاب القبر قبل يوم الساعة، وبعدها يُدخَلُون أشد العذاب.
وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ لأن قبض الملائكة لأرواحهم عند الوفاة يليها عذاب مباشر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ﴾، وهذا يكون قبل القيامة، أي: في القبر.
وشدد على أنه ليس في الإيمان بالغيب ما يحيله العقل، ولكن فيه ما يحار فيه العقل، غير أنه يجب التنبيه على أن الإكثار من ذكر عذاب القبر والتركيز عليه دون غيره منهجٌ غير سديد، بل على المسلم أن يستنير بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا» متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» رواه البخاري في “صحيحه”، وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً” رواه مسلم في صحيحه.